ممارسة الرياضة البدنية خارج المنزل محفوفة بالمخاطر
على الحوامل تخفيف المشي في شوارع المدن بسبب تلوث الهواء
ربما تكون نواياك حسنة آنذاك، وتتصرف ببراءة طبيعية، لكن خبراء الطب يقولون بأن ممارسة الرياضة البدنية خارج المنزل في المدن هو أمر محفوف بالمخاطر أكثر مما يظن غالب الناس. في حين يحذر آخرون من أن ممارسة الهرولة والجري على رمال الشواطئ هي آخر ما يجب أن يحرص عليه من يبتغي الصحة والعافية. وبديهي أن تتدارك الحوامل عواقب مشيهن في شوارع المدن ذات المناخ الحار خصوصاً، كي تتجنب أجنتهن أضرار تلك الهواية غير الصحية.
والواقع أن الأطباء حينما ينصحوا بالرياضة كالمشي أو الهرولة، ويتمنوا أن تُصبح عادة كل الناس، فإنهم أيضاً يُقدرون بالدرجة الأولى ضرورة اتخاذ وسائل السلامة لمن يُمارسها وإعطاء الأولوية لما يُفيد ولا يضر الجسم.
* هواء ملوث
* ويقول الدكتور جوزيف كوك، طبيب الباطنية ومسؤول سلامة المرضى في مركز ويل كورنيل بنيويورك، إن هناك مخاطر حقيقية على صحة الإنسان من ممارسته الرياضة خارج المنزل، نظراً لعلو نسبة المواد الملوثة للهواء، وأكثر من يتضرر هم من يُهرولون أو يقودون الدراجات الهوائية وغيرها. وغالب الضرر هو من ثلاثة عناصر، الأول هو مواد الهباء الصغيرة، والمكونة من خليط الأجزاء الصلبة الدقيقة مع قطرات السوائل المتطايرة في الهواء. والثاني هو الأوزون القريب من الارض، وهو غاز مكون من ثلاث ذرّات أوكسجين. والثالث هو غاز أول أوكسيد الكربون.
وغاز أول أوكسيد الكربون، الذي سبق أن عرضت موضوع التسمم به ضمن ملحق الصحة بالشرق الأوسط في الشتاء الماضي، ينتج عن دخان السجائر والغازات المنبعثة من الشاحنات والسيارات الصغيرة، وكذلك من المصانع. ومشكلة الجسم معه، أنه يدخل الى الدم بسرعة عبر هواء النفس من خلال الرئة، ويتحد بقوة مع مادة الهيموغلوبين في خلايا الدم الحمراء، ولا يُعطي بالتالي مجالاً للدم أن يحمل كمية كافية من الأكسجين لتزويد أعضاء الجسم بها، فهو منافس قوي للأكسجين لشغل مقاعد النقل في خلايا الدم الحمراء.
ومعروف أن هذه العناصر لتلوث الهواء توجد في غالب مدن العالم، وتعمل على تهييج الرئة وأنسجتها إذا ما وصلت إليها مع هواء النفس. مما ينجم عنه صعوبة في التنفس للشخص العادي، وتدهور لمن لديهم ربو أو التهاب في الشعب الهوائية أو غيرها من الأمراض الرئوية والقلبية.
ويُضيف الدكتور كوك قائلاً: حينما تثر هذه المواد الملوثة للهواء أنسجة وأغشية الأنابيب الهوائية في الرئة، فإن المزيد من المواد المخاطية والإفرازات الأخرى يتجمع في أنابيب جريان الهواء في الرئة، وتنقبض أيضاً طبقة العضلات المغلفة لهذه الأنابيب الهوائية، ما يعني أيضاً مزيدا من الضيق في مجاري الهواء. والنتيجة هي أن مزيداً من الجهد على المرء بذله كي يُتم عملية التنفس الطبيعية، ما يعني صعوبة حصول الجسم على كمية كافية من الأكسجين.
كما أن غاز أول أوكسيد الكربون يُقلل من قدرة الرئتين على تزويد الجسم بالأكسجين، وربما يُؤدي بالمرء حين الهرولة الى شعور بالدوخة أو الصداع. أما غاز الأوزون، وهو غالب مكونات طبقة ضباب دخان المدن فيؤثر على سعة أنابيب جريان الهواء في الرئة ويجعل من الصعب عليها أخذ الأوكسجين من هواء التنفس.
ولذا ينصح الدكتور كوك من يمارسون الرياضة خارج المنزل أو حتى من يعملون بأن لا يُمارسوا هواية الهرولة بالقرب من أو في الطرقات المزدحمة أو التي تعبر من خلالها الشاحنات أو السيارات الصغيرة بكثرة. والحرص على أن يقتصر ذلك العمل أو تلك الهرولة في أوقات أول النهار أو في أوقات متأخرة من الليل، ونظراً لصعوبتهما فإنه ينصح وبشدة بممارسة الرياضة داخل المنزل. والأهم هو لو أن الإنسان شعر بأي أعراض ضيق في التنفس فعليه أن يُوقف الهرولة.
* أرضية رخوة
* وتحت عنوان الهرولة على الشواطئ تجلب المتاعب، يؤكد الدكتور مايكل سيكوتي، طبيب العظام ورئيس مركز الطب الرياضي في جامعة توماس جيفرسون بفيلاديلفيا، بأن الأرض الرملية عدوة للمفاصل بعكس ما يعتقد البعض من أنها أخف وطأة على المفاصل من الأرضيات الصلبة.
ويقول إن الهرولة على رمال الشواطئ تحمل مخاطر، إذْ حينما يركض المرء على سطحية غير مستوية ورخوة، فإن قوة الارتطام التي تصيب القدمين والكاحلين والوركين تختلف بشكل متكرر، ما يُعرض المرء لإصابة في أي منها، خصوصاً ان التغير المفاجئ في الهرولة من الرمل المبلل والمتماسك الى الرمل الجاف والرخو يُعرض المرء لعدم التوازن. كما أن أرضية غالب الشواطئ هي عبارة عن منحدر، وهو ما يُعرض الإنسان لإصابات أيضاً على حد وصفه.
ومما هو ملاحظ حالات التهاب الأوتار والالتواء والإجهاد في مفاصل الكاحل أو الركبة أو الورك نتيجة الهرولة على الرمال والمنحدرات، وربما يصل الأمر الى حد الكسور.
ومتعة الهرولة على رمال الشواطئ تُعطي البعض منا شيئاً من الراحة النفسية، وهو ما بالإمكان تحقيقه إذا ما أخذ الإنسان بعض الاحتياطات لتقليل مخاطرها. إذْ ينصح الدكتور كوك حين ممارستها بارتداء أحذية خاصة تُعطي راحة وثباتا للقدمين، ومصنوعة بطريقة تمتص قوة الارتطام بالأرض، وهو ما سبق لي عرضه عند الحديث عن الأحذية الرياضية للمشي والهرولة في ملحق الصحة بالشرق الأوسط. هذا بالإضافة الى النصيحة العامة بتغيير أحذية الرياضة كل حوالي 9 أشهر وممارسة تمارين الإحماء قبل البدء في الهرولة الفعلية.
* الحوامل والشوارع
* واحدة من العادات غير الطبيعية وغير الصحية المنتشرة اليوم، خاصة في المدن ذات المناخ الحار، هو مشي الحوامل في أرصفة الشوارع بزعم الحصول على الصحة للحمل وللجسم وللجنين. والواقع أنها تضر أولاً وقبل أي شيء ذاك الجنين المسكين القابع داخل الرحم! فتغذية الجنين تعتمد على تدفق الدم اليه عبر المشيمة. وأحد العوامل المهمة في تسهيل تدفق الدم الى الجنين هو ارتفاع درجة حرارته بشكل يفوق درجة حرارة جسم الأم. والمشكلة هي حينما تعل درجة حرارة الأم ـ إما بسبب حمى مرضية كالالتهابات الميكروبية، أو بتأثيرات بيئية كالهرولة في الهواء الحار عند ارتداء ملابس ساترة. أي ممارسة رياضة مشي الشوارع، حتى لو بعد مغيب الشمس، في المدن الحارة مع ارتداء ملابس كثيفة تؤد بلا أدنى شك الى ارتفاع حرارة الأم. والحديث ليس عن ارتفاع لدرجة الحمى، بل هو مجرد الارتفاع الطفيف.
ونتيجة لذلك تقل تغذية الجنين وتزويده بالدم. هذا بالإضافة الى أن الحامل عرضة للهواء الملوث في الشوارع، وعرضة لاختلال التوازن وغيره. والأولى إن أرادت الحامل ممارسة الرياضة فعليها أن تكون في داخل المنزل أو القاعات النظيفة ذات درجة الحرارة المنخفضة، وفي أماكن يتيسر لها عدم الحاجة الى ارتداء ملابس كثيفة وسابغة.